سُئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل آدم عليه السلام وذرّيته ؟
فقال : نعم قد كان في السّماوات والأرض خلق من خلق الله يقدّسون الله ، ويسبّحونه ، ويعظّمونه باللّيل والنّهار لا يفترون ، وأنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق الأرضين خلقها قبل السّماوات .
ثم خلق الملائكة روحانيّين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله ، فأسكنهم فيما بين أطباق السّماوات يقدّسونه في اللّيل والنّهار ، واصطفى منهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل .
ثم خلق عزّ وجّل في الأرض الجنّ روحانيين لهم أجنحة ، فخلقهم دون خلق الملائكة ، وخفظهم أن يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران وغير ذلك ، فأسكنهم فيما بين أطباق الأرضين السّبع وفوقهنّ يقدّسون الله باللّيل والنّهار لا يفترون .
ثم خلق خلقاً دونهم ، لهم أبدان وأرواح بغير أجنحة ، يأكلون ويشربون نسناس أشباه خلقهم وليسوا بإنس ، وأسكنهم أوساط الأرض على ظهر الأرض مع الجن يقدّسون الله باللّيل والنّهار لا يفترون .
قال : وكان الجن تطير في السّماء ، فتلقى الملائكة في السّماوات ، فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون اليهم ويتعلّمون منهم الخير .
ثمّ أنّ طائفة من الجن والنّسناس الّذين خلقهم الله واسكنهم أوساط الأرض مع الجن تمرّدوا وعتوا عن أمر الله ، فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحقّ ، وعلا بعضهم على بعض في العتوّ على الله تعالى ، حتّى سفكوا الدماء فيما بينهم ، وأظهقال : وأقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان الله تعالى وطاعته ، وباينوا الطايفتين من الجن والنسناس الّذين عتوا عن أمر الله .
قال : فحط الله أجنحة الطائفة من الجنّ الّذين عتوا عن أمر الله وتمرّدوا ، فكانوا لا يقدرون على الطّيران إلى السّماء وإلى ملاقاة الملائكة لما ارتكبوا من الذّنوب والمعاصي .
قال : وكانت الطائفة المطيعة لأمر الله من الجنّ تطير إلى السّماء اللّيل والنّهار على ما كانت عليه ، وكان ابليس ـ واسمه الحارث ـ يظهر للملائكة أنه من الطائفة المطيعة .
ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن وعلى خلاف خلق النّاس يدبّون كما يدبّ الهوام في الأرض يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض ، كلّهم ذكران ليس فيهم أناث ، ولم يجعل الله فيهم شهوة النّساء ، ولا حبّ الأولاد ، ولا الحرص ، ولا طول الأمل ، ولا لذّة عيش ، لا يلبسهم اللّيل ، ولا يغشاهم النّهار ، وليسوا ببهائم ولا هوام ولباسهم ورق الشجر ، وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار .
ثم أراد الله يفرقهم فرقتين ، فجعل فرقة خلف مطلع الشّمس من وراء البحر ، فكوّن لهم مجينة أنشأها لهم تسمّى « جابرسا » طولها اثنا عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف فرسخ ، وكوّن عليها سوراً من حديد يقطع الأرض إلى السّماء ، ثمّ أسكنهم فيها وأسكن الفرقة الأخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر ، وذول لهم مدينة أنشاها تسمّى « جابلقا » طولها اثنا عشر ألف فرسخ في اثني عشر ألف فرسخ ، وكوّن لهم سوراً من حديد يقطع إلى السماء ، فأسكن الفرقة الأخرى فيها ، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا ، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا ، ولا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس .وكانت الشّمس تطلع على أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس ، فينتفعون بحرّها ويستضيئون بنورها ، ثمّ تغرب في عين حمئة ، فلا يعلم بها أهل جابلقا اذا غربت ولا يعلم بها أهل جابرسا اذا طلعت ، لأنّها تطلع من دون جابرسا ، وتغرب من دون جابلقا.
فقيل يا أمير المؤمنين : فكيف يبصرون ويحيوُن ؟ وكيف يأكلون ويشربون ؟ وليس تطلع الشّمس عليهم ؟
فقال صلوات الله عليه : أنّهم يستضيئون بنور الله ، فهم في أشدّ ضوء من نور الشّمس ، ولا يرون أن الله تعالى خلق شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا كواكب ، ولا يعرفون شيئاً غيره
فقيل يا أمير المؤمنين : فأين ابليس عنهم ؟
قال : لا يعرفون ابليس ولا سمعوا بذكره ، لا يعرفون إلاّ الله وحده لا شريك له ، لم
يكتسب أحد منهم قطّ خطيئة ولم يقترف اثماً لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون ، يعبدون الله إلى يوم القيامة لا يفترون ، الليل والنهار عندهم سواء .
قال : إنّ الله أحبّ أن يخلق خلقاً ، وذلك بعد ما مضى من الجن والنّسناس سبعة آلاف سنة ، فلمّا كان من خلق الله أن يخلق آدم للّذي أراد من التّدبير والتّقدير فيما هو مكوّنه من السماوات والأرضين كشف عن أطباق السّماوات .
ثم قال الملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنّسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي ؟ فاطلعت الملائكة ورأوا ما يعملون فيما من المعاصي وسفك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، اعظموا ذلك وغضبوا لله ، وأسفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت العزيز الجبّار الظّاهر العظيم الشّأن وهؤلاء كلّهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، كلّهم ينقلبون في قبضتك ، ويعيشون برزقك ويتمتّعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه فيك .
قال : فلمّا سمع الله تعالى مقالة الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة فيكون حجّتي على خلقي في الأرض ، فقالت الملائكة : سبحانك ربّنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ؟
فقال الله تعالى : يا ملائكتي انّي أعلم ما لا تعلمون أنّي أخلق خلقاً بيدي أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم ويهدونهم الى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، أجعلهم حجّة لي عذراً ونذراً وأنفي الشّياطين من أرضي وأطهّرها منهم ، فأسكنهم في الهواء من أقطار الأرض وفي الفيافي ، فلا يراهم خلق ، ولا يرون شخصهم ، ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يؤاكلونهم ، ولا يشاربونهم ، وأنفرّ مردة الجنّ العصاة عن نسل بريّتي وخلقي وخيرتي ، فلا يجاورون خلقي ، وأجعل بين خلقي وبين الجانّ حجاباً ، فلا يرى خلقي شخص الجنّ ، ولا يجالسونهم ، ولا يشاربونهم ، ولا يتهجّمون تهجّمهم ، ومن عصاني من نسل خلقي الّذي عظّمته واصطفيته لغيبي أسكنهم مساكن العصاة وأوردهم موردهم ولا أبالي .
فقالت الملائكة : لا علم لنا ألاّ ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم ،
فقال للملائكة : انيّ خالق بشراً من صلصال من حماء مسنون فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
قال : وكان ذلك من الله تقدمة للملائكة قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ، وما كان الله ليغيّر ما بقوم إلاّ بعد الحجّة عذراً عذراً أو نذراً ، فأمر تبارك ملكاً من الملائكة ، فاغترف غرفة بيمينه ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال الله عزّ وجلّ : منك أخلق
وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: ان الله تعالى خلق آدم صلوات الله عليه من آديم الأرض ، فمنه السّباخ والمالح والطّيب ، ومن ذرّيته الصّالح والطّالح ، وقال : إنّ الله تعالى لمّأ خلق آدم صلوات الله عليه ونفخ فيه من روحه نهض ليقوم ، فقال الله تعالى : وخلق الإنسان عجولاً ، وهذا علامة للملائكة ، إنّ من أولاد آدم عليه السّلام من يصير بفعله صالحاً ، ومنهم من يكون طالحاً بفعله ، لا أنّ من خلق من الطّيب لا يقدر على القبيح ، ولا أنّ من خلق من السّبخة لا يقدر على الفعل الحسن .
و قال : كانت الملائكة تمرّ بآدم صلوات الله عليه ـ أي بصورته ـ وهو ملقي في الجنّة من طين ، فتقول : لأمر ما خلقت ؟ .
وعن أبي عبدالله الصّادق عليه السلام قال : إنّ القبضة التي قبضها الله تعالى من الطين الذين خلق آدم صلوات الله عليه منه أرسل الله إليها جبرئيل أن يأخذ منها إن شاء ، فقالت الأرض : أعوذ بالله أن تأخذ منّي شيئاً ، فرجع فقال : يا ربّ تعوّذت بك . فأرسل الله تعالى إليها إسرافيل وخيّره ، فقال مثل ذلك فرجع فأرسل الله إليها ميكائيل وخيّره أيضاً ، فقالت مثل ذلك ، فرجع فأرسل الله إليها ملك الموت ، فأمره على الحتم ، فتعوّذت بالله أن يأخذ منها ، فقال ملك الموت : وأنا أعوذ بالله أن أرجع إليه حتّى آخذ منك قبضة .
وإنّما سمّي آدم لأنّه أخذ من أديم الأرض . وقال : إنّ الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حوّا من آدم ، فهمّة الرّجال الأرض وهمّة النّساء الرّجال . وقيل : أديم الأرض أدنى الأرض الرّابعة إلى اعتدال ، لأنّه خلق وسط الملائكة.
قال : سجدت الملائكة لآدم صلوات الله عليه ووضعوا جباههم على الأرض ؟ قال : نعم تكرمة من الله تعالى .
لّما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمينة العرش فإذا خمسة أشباح ،
فقال : يا ربّ هل خلقت قبلي من البشر أحداً ؟ قال : لا
قال : فمن هؤلاء الّذين أرى أسماءهم ؟ فقال : هؤلاء خمسة من ولدك ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنّة ولا النّار ولا العرش ولا الكرسي ولا السّماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الجنّ ولا الإنس هؤلآء خمسة شققت لهم اسماً من أسمائي ، فأنا المحمود وهذا محمد ( صلّ الله عليه وآله ) وأنا الأعلى وهذا عليّ ( عليه السلام ) وأنا الفاطر وهذه فاطمة ( عليها السلام ) وأنا ذو الأحسان وهذا الحسن ( عليه السلام ) وأنا المحسن وهذا الحسين ( عليه السلام )
آليت على نفسي أنّه لا يأتيني أحد وفي قلبه مثقال حبّة من خردل من محبّة أحدهم إلاّ أدخلته جنّتي وآليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد وفي قلبه مثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ، يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي ، بهم أنجي من أنجي وبهم أهلك من أهلك.
اللهم صل على محمد وآل محمد